إن من أهم أركان الإسلام وأسسه وأعمدته التي بني عليها فريضة الزكاة.. فالزكاة هي حق لله في ماله الذي وهبه لعباده وأغنى به نفرا من خلقه، فشرع لهم وفرض عليهم أنهم يخرجونها من هذا المال الذي وهبهم وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منهم.. فقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(التوبة:103).
فهي فريضة في أعناقهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فهي حق واجب في أموال الأغنياء قال تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)
فالزكاة في الإسلام ليست مجرد عمل طيب من أعمال الخير والبر، ولكنها ركن أساسي من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته، وعمود من أعمدته، يوصم بالفسق من منعها، فليست إحسانًا اختياريًا ولا صدقة تطوعية، وإنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام الخلقي والشرعي، وهي في نظر الإسلام حق للفقراء في أموال الأغنياء، فليس فيها أي معنى من معاني التفضل والامتنان ممن يخرجها على من يعطيها له.
لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال: [ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِى فُقَرَائِهِمْ].
فكل مسلم وهبه الله مالا بلغ نصابا، وحال عليه الحول أو توفرت فيه شروط الزكاة وجب عليه زكاته، وهو مطالب بأن يخرج هذه الزكاة، وأن يقيم هذا الركن الأساسي من أركان الإسلام، عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى وشكرا له على ما وهبه وأنعم عليه.
وأي إنسان منعها بخلا أخذت منه عنوة، وفي بعض الأحاديث تؤخذ ومعها شطر ماله؛ عقوبة له وتنكيلا به، لئلا يعود، وليكون عبرة لأمثاله. هذا ما صرحت به الأحاديث الصحيحة، وما طبقه الخليفة الأول أبو بكر ومن معه من الصحابة الكرام رضى الله عنهم.
والزكاة علامة ودلالة على رحمة الله بخلقه، فإنه سبحانه رزقهم المال، ولم يطلب منهم زكاة حتى يبلغ المال نصابا معينا (85 جراما من الذهب الخالص عيار24)، فلم يفرضها على الفقراء، وإنما على الأغنياء منهم، فهو يغني ثم يطلب، ثم لما أخذ أخذ نذرا قليلا (2.5بالمائة) وترك لهم أغلب مالهم (97.5بالمائة).
ومع أن الزكاة فريضة فرضها الله على أغنياء المسلمين، ومع أنها طاعة لله واستجابة إلا أنها مع ذلك فيها فؤائد كثيرة ومنافع كبيرة ومصالح وفيرة منها:
١-أن إخراجها دليل على إيمان صاحبها: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [والصدقة برهان]..
كما أن منعها دليل نفاق، وعنوان شقاق {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم}، {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}(التوبة).
٢- تطهير وتزكية للنفس: قال تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}.. فهي تطهر النفس من الشح والبخل، وتحميها من التعلق الشديد بالدنيا.
٣- تطهير المال ومباركته: فإنما سميت الزكاة زكاة لأنها تزكي المال.. أي تطهره وتنميه وتنزل البركة فيه.
٤- التكاتف وإشاعة المحبة بين أبناء المجتمع:
فأخذ الصدقة من الأغنياء يشعرهم بعضويتهم الكاملة في المجتمع المسلم فلم يستأثروا بالمال دون الفقراء والمعوزين، وإنما عاشوا حياة الأخوة ورابطة وآصرة الإيمان والإنسانية والمواطنة، والفقير يشعر أنه ليس ضائعا في المجتمع، ولا متروكا لفقره وعوزه، ويستمتع بكرامته عندما يأخذ حقه.
٥- إغناء الفقراء: إذ إن من مقاصد الزكاة إغناء الفقراء، وليس مجرد معونة وقتية، فيعطى الفقراء من مال الزكاة ما يستأصل شأفة العوز من حياتهم، ويمكنهم من أن ينهضوا وحدهم بعبء المعيشة، أو يقيموا مشروعا صغيرا يدر عليهم ربحا يكفيهم ويغنيهم ويحفظهم عن ذل المسألة ومد اليد للأخذ في كل مرة.
٥- الزكاة مورد عظيم من موارد بيت المال المسلم يعين الدولة على رفع اقتصادها وسد حاجة عدد ليس بقليل من رعاياها.. ثم إن لها مصارف أخرى كلها فيها مصالح للدين والدنيا معا.
فحصنوا أموالكم بالزكاة، وكثروا أموالكم بالصدقات، فإنها ما بقيت الزكاة في مال لم تخرج منه إلا أفسدته وأذهبت بركته، بل يبقى المرء حياته يجمع المال ويوعيه ويحفظه ويحميه، ويزيده وينميه، ثم فجأة إذا بالموت يأتيه، فيترك المال لمن لا يحمده، ويذهب إلى من يسأله عنه ويحاسبه ولا يعذره.. وما أعظمها من مصيبة، كما قال يحيى بن معاذ: “مصيبتان للمرء في ماله لم تسمع بهما الخلائق: يموت ويتركه كله.. ويسأل عنه كله”.