الحمد لله القائل : ” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم والله سميعٌ عليم” .
لقد أحل الله للمسلم الذي يمتلك المال أن يستغله ويوظفه في العروض التجارية والصناعية ، لزيادة ماله وتنميته ، لقوله تعالي : ” أحل الله البيع وحرم الربا” ، شريطة أن تستغل تلك الأموال في كل عمل حلال ، وكسب مشروع.
وفرض الإسلام زكاة على رؤوس الأموال العاملة في العروض التجارية والصناعية تقدر بربع العشر( 2،5 %) بشروط عدة ؛ حولان الحول ( عام هجري كامل ) ، وبلوغ النصاب ( 85 جرام من الذهب أو 595 جرام من الفضة الخالصة) ، وتوافر نية التجارة أو الصناعة، لتزكية أصحاب الأموال وتطهيرهم، ولتطهير أموالهم وتزكيتها ، كما أن فرض الزكاة عليها تدفع أصحابها إلي استغلال الأموال وتثميرها ، لينجوا من أثم الكانزين ممن يحبسونها عن التداول ويعطلونها عن العمل في ميادين العمل والاستثمار ، مما يضر بالاقتصاد الوطني للدولة.
وتحتل العروض التجارية والصناعية في عالمنا المعاصر مكانة كبيرة سواءً من حيث العدد الكبير للمستثمرين أو رؤوس الأموال الضخمة المستثمرة ، بالإضافة إلي الأرباح الهائلة التي تجني منها ، حيث وصلت رؤوس الأموال وأرباحها إلي مئات الملايين وعشرات المليارات، وإلي التريليون في البنوك والبيوت التجارية والصناعية العابرة للقارات كالشركات والمؤسسات العملاقة ، مما يوجب على الدولة المسلمة أن تأخذ الزكاة على تلك الأموال وأرباحها ، لقوله تعالي : ” يا أيها الذين أمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ” ، قال الطبري في تفسير هذه الآية : زكوا من طيب ما كسبتم إما بتجارة أو صناعة ، وروي ابو داود بإسناده عن سمرة بن جندب ، قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نُعد للبيع ” ، لتتمكن من الوفاء بالاحتياجات المتزايدة من عام إلي آخر لذوى الحاجة من الفقراء والمساكين، خاصة أنها تمثل نسبة كبيرة من إجمالي السكان في معظم الدول العربية والإسلامية ، ومنها اليمن ، وذلك لإخراجهم من دائرة الفقر إلي دائرة الغني ( مذهب الإغناء)، أو توفير كفاية العمر أو العام حسب حصيلة الزكاة ( مذهب حد الكفاية ) ، أو توفير تمام الكفاية لمن يمتلكون أعمال تدر عليهم دخل لا تكفيهم ( مذهب تمام الكفاية ) ، والمساهمة في المصالح العامة للدولة والدين ، كالجهاد في سبيل الله، وتحرير الأسير المسلم من أيدي الكفار.
إن من حكمة الإسلام إعفائه للأصول الثابتة للعروض التجارية والصناعية من الزكاة ، كالمباني والأثاث والموازيين والآلات ونحوها مما لا يباع فلا يحتسب عند تقويمها المحاسبي ، ولا يخرج عنها زكاة ؛ لأن الأصل في هذا النوع من الزكاة أخذها من الأصول المتداولة ( رأس المال المتداول ).
وقد اختلف فقهاء الأمة حول إخراج الزكاة من عين السلعة أم من قيمتها ، فيري ابو حنيفة والشافعي في أحد أقواله : أن التاجر مخير ما بين إخراج الزكاة من قيمة السلعة وبين الإخراج من عينها، بينما يري المزني : إن زكاة العروض من أعيانها لا من أثمانها، ويري أحمد والشافعي في القول الآخر : وجوب إخراج الزكاة من القيمة لا من عينها ، ويرجح يوسف القرضاوي : إخراج الزكاة من القيمة ؛ نظراً لمصلحة الفقير ، فإنه يستطيع بالقيمة أن يشتري له ما يلزم أما عين السلعة فقد لا تنفعه ، فربما يكون في غني عنها ، فيضطر إلي بيعها بسعر بخس ؛ خاصة في حالة جمع الزكاة وتفريقها من قبل الحكومة، ويمكن العمل بإخراج الزكاة من عين السلعة في حالة استثنائية إذا كان جامع الزكاة ومفرقها المزكي نفسه ، ويعلم أن الفقير بحاجة إلي عين السلعة، لتحقق منفعته بذلك ، والمسألة دائرة على اعتبار المصلحة وليس فيها نص.
وفي الأخير أتوجه بدعوة مكلفي زكاة العروض التجارية والصناعية في ربوع وطننا اليمن السعيد إلي الحرص الشديد على دفع زكاتهم للدولة ، ممثلة بالإدارات العامة للواجبات الزكوية بالمحافظات وفروعها بالمديريات كلاً حسب نطاقه واختصاصه ، للمساعدة في إخراج الاقتصاد الوطني من حالة التضخم المالي الحالية ، والتخفيف من تأثيرات ارتفاع الأسعار على حياة الغالبية العظمي من الفقراء والمساكين في بلادنا الحبيبة ، وحفاظاً على أموالهم من الضياع ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” ما هلك مال في بر أو بحر إلا كان وراءه الزكاة ” ، والمساهمة في تحقيق النصر على الأعداء ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” إنكم لن ترزقوا ولن تنصروا إلا بضعفائكم” ، والتمكين في الأرض ، لقوله تعالي : ” الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتو الزكاة
فؤاد أحمد علي بشر الصامت
مدير إدارة تحصيل الواجبات الزكوية م/ المعافر